" لا تخافوا إذا دعاكم الرب إلى الحياة المكرسة، الرهبانية، الإرسالية أو التكرّس الخاص: فهو يعرف أن يهب الفرح العميق لمن يجيب بشجاعة!" : البابا في رسالته لليوم العالمي للشبيبة

الثلاثاء, 16 مارس 2010

حاضرة الفاتيكان (وكالة فيدس). "في الخامس عشر من الجاري صدرت رسالة البابا بندكتس السادس عشر لليوم العالمي للشبيبة والذي سيحتفل به محلياً فس الثامن والعشرين من مارس، يوم أحد الشعانين، وهو بعنوان: "أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟"
وقال البابا أن هذه المناسبة تصادف مع العام الذكرى الخامسة والعشرين لإطلاق يوم الشبيبة العالمي، الذي أراده المكرم يوحنا بولس الثاني كموعد سنوي للشباب المؤمن في العالم كله. وأضاف أن يوم الشبيبة الحالي يشكل خطوة نحو لقاء الشبيبة العالمي المقبل، الذي سيقام في أغسطس 2011 في مدريد، حيث أرجو أن تتوافدوا بكثرة لعيش حدث النعمة هذا.
يخبرنا إنجيل القديس مرقس أنه بينما كان يسوع "خارجًا إلى الطريق، أسرع إليه رجل فجثا له وسأله: «أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟» فقال له يسوع: «لم تدعوني صالحا ؟ لا صالح إلا الله وحده. أنت تعرف الوصايا: لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تظلم، أكرم أباك وأمك». فقال له: «يا معلم هذا كله حفظته منذ صباي». فحدق إليه يسوع فأحبه فقال له: «واحدة تنقصك: اذهب فبع ما تملك وأعطه للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني». فاغتم لهذا الكلام وانصرف حزينا، لأنه كان ذا مال كثير" (مر 10، 17 – 22).
وقال البابا أن النص الغنجيلي الذي منه اتى عنوان اللقاء "يعبر بشكل رائع عن انتباه يسوع الكبير نحو الشباب، نحوكم، نحو تطلعاتكم وآمالكم، ويبين سعة رغبته بلقائكم شخصيًا وبدء حوار حميم مع كل منكم. يتوقف يسوع في مسيرته لكي يجيب على سؤال محاوره، مبينًا عن جهوزية وانفتاح كامل نحو ذلك الشاب، الذي يحركه توق متقد للحديث مع "المعلم الصالح"، لكي يتعلم منه السير في درب الحياة". يشدد القديس مرقس في النص الإنجيلي على أن يسوع حدق إلى الشاب وأحبه (راجع مر 10، 21). في نظرة الرب نجد قلب هذا اللقاء المميز جدًا وقلب كل خبرة مسيحية. بالواقع، إن المسيحية ليست في المقام الأول شرعة أخلاقية، بل هي اختبار يسوع المسيح، الذي يحبنا شخصيًا، شبابًا ومسنين، فقراء وأغنياء؛ يحبنا حتى عندما ندير له ظهورنا.في تعليقه على الحدث، يضيف البابا يوحنا بولس الثاني متوجهًا إلى الشباب: "أتمنى لكم أن تختبروا نظرة كهذه! أتمنى لكم أن تختبروا حقيقةً كيف أن يسوع ينظر إليكم بحب" (رسالة إلى الشباب، 7).
وأشار البابا الى انه "يمكننا أن نلحظ في شاب الإنجيل حالة شبيهة جدًا بتلك التي يعيشها كل منكم. فأنتم أيضًا أغنياء بالمآثر، بالطاقات، بالأحلام والآمال: هذه الطاقات تملكونها بوفرة! إن سنكم بحد ذاته يشكل غنى ليس فقط لكم بل للآخرين، للكنيسة وللعالم. يسأل الشاب الغني يسوع: "ماذا يجب أن أفعل؟". إن هذا الفصل من حياتكم هو زمن اكتشاف: للعطايا التي أسبغها الله عليكم ولمسؤولياتكم. إنه أيضًا زمن خيارات أساسية لبناء مشروع حياتكم. إنه زمن التساؤل عن معنى وجودكم الأصيل: "هل أنا راضٍ عن حياتي؟ هل ينقصني شيء؟". أسوة بالشاب في الإنجيل، أنتم أيضًا تعيشون حالات عدم استقرار، وقلق وألم تحملكم إلى التوق لحياة لا يطبعها الفتور وإلى السؤال: ما هو كنه الحياة الناجحة؟ ماذا يجب أن أفعل؟ ما هو مشروع حياتي؟ "ماذا يجب أن أفعل لكي يكون لحياتي قيمة كاملة ومعنى كامل؟"
وقال البابا للشباب: "لا تخافوا أيها الشباب والشابات إذا دعاكم الرب إلى الحياة المكرسة، الرهبانية، الإرسالية أو التكرّس الخاص: فهو يعرف أن يهب الفرح العميق لمن يجيب بشجاعة!... التساؤل بشأن المستقبل الحاسم الذي ينتظر كل منا يهب معنىً كاملاً للوجود، لأنه يوجه مشروع الحياة نحو آفاق ليست محدودة أو عابرة، بل واسعة وعميقة، تحمل إلى محبة العالم الذي أحبه الله، وإلى الالتزام في تطويره، ولكن دومًا عبر الحرية والفرح اللذين يتولدان من الإيمان والرجاء." أيها الشباب الأعزاء – أضاف- أحضكم على ألا تنسوا هذا الأفق في مشروع حياتكم: نحن مدعوون إلى الأبدية. لقد خلقنا الله لكي نكون معه، إلى الأبد. هذه الوجهة ستهب المعنى الكامل لخياراتكم وستعطي قيمة لوجودكم".
"المستقبل – أوضح البابا - هو في يد من يعرف أن يجد دواعٍ قوية للعيش والرجاء. إذا أردتم، المستقبل هو بين أيديكم، لأن الغنى والمواهب التي وضعها الله في قلب كل منكم، والتي صاغها لقاؤكم بالمسيح، تستطيع أن تحمل رجاءً أصيلاً إلى العالم! إن الإيمان بحبه، إذ يقويكم ويجعلكم أسخياء، يمنحكم الشجاعة لمواجهة مسيرة الحياة بصفاء، ولحمل مسؤولياتكم العائلية والمهنية. التزموا في بناء مستقبلكم من خلال سبل تنشئة شخصية ودراسية جادة، لكي تخدموا الخير العام بشكل مؤهّل وسخي".
وختاماً ذكّر البابا برسالته العامة الأخيرة حول موضوع النمو البشري المتكامل، "المحبة في الحقيقة"، حيث قدّم "بعض التحديات الحالية الطارئة والأولية لحياة هذا العالم: استخدام موارد الأرض واحترام البيئة، التقسيم العادل للخيرات وضبط الآليات الاقتصادية، التضامن مع الدول الفقيرة في إطار العائلة البشرية، مقاومة الجوع في العالم، تعزيز كرامة العمل البشري، خدمة حضارة الحياة، بناء السلام بين الشعوب، الحوار بين الأديان، حسن استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي"، وهي تحديات – قال قداسته – "أنتم مدعوون للإجابة عليها لبناء عالم أكثر عدالة وأخوّة. إنها تحديات تتطلب مشروع حياة متطلب ومتقد، يجب أن تستثمروا فيه كل غناكم بحسب مشروع الله لأجل كل واحد منكم. لا يُطلب إليكم القيام بأعمال بطولية أو خارقة، بل تفعيل مواهبكم وإمكانياتكم، والالتزام للتقدم بثبات في سبيل الإيمان والحب". (فيدس 16-3-2010)


مشاركة: