البابا في فيتيربو (3): " عندما نتحلى بالرجاء، نتمكن من فتح قلوبنا والعالم ليدخل الله إلينا، الله الحقيقة والمحبة والصلاح"

الأحد, 6 سبتمبر 2009

فيتيربو (وكالة فيدس) –التقى البابا بندكتس السادس عشر يوم الاحد المؤمنين في بلدة بانيوريدو، مسقط رأس القديس بونافينتورا. وقال قداسته: "إن جيوفاني فيدانتزا، الذي أصبح لاحقاً الأخ بونفنتورا، يربط اسمه باسم بانيوريجيو في التعريف الشهير عن نفسه في الكوميديا الإلهية عند القول "أنا روح بونفنتورا بانيوريجيو، أضع المساعي الخاطئة جانباً في المهمات السامية" (دانتي، الفردوس، 12، 127- 129)، مما يشدد على كيفية تأجيله الاهتمام بالوقائع الزمنية – "المساعي الخاطئة" – خلال المهمات السامية المطلوبة منه في الكنيسة، وذلك لصالح خير النفوس الروحي.
وتحدث البابا في كلمته عن القديس يونافنتورا فقال إنه "ليس من السهل تلخيص العقيدة الفلسفية واللاهوتية والسرية التي ورثناها عن القديس بونفنتورا. في سنة الكهنة هذه، أود دعوة الكهنة بخاصة إلى الإصغاء إلى هذا العلامة العظيم في الكنيسة وإلى التأمل بعمق في تعليمه عن الحكمة المتجذرة في المسيح. إنه يوجه كل خطوة من تأملاته وأفكاره الصوفية نحو الحكمة التي تزهر في القداسة، مروراً بالدرجات المتراوحة بين ما يسميه بـ "الحكمة المنتظمة" المتعلقة بمبادئ المعرفة الأساسية و"الحكمة المتعددة الأشكال" التي تكمن في اللغة البيبلية السرية، و"الحكمة الكلية الأشكال" التي تدرك تأمل الخالق في الواقع المخلوق، و"الحكمة البليغة" أي تجربة الاتصال السري العميق مع الله، التي يدرك الفكر الإنساني من خلالها السر المطلق في الصمت (جوزيف راتزينغر، القديس بونفنتورا ولاهوت التاريخ، بورتزيونكولا للنشر، 2006، 92). من خلال ذكر هذا الباحث ومحب الحكمة، أود التعبير عن تشجيعي وتقديري للخدمة التي يدعى اللاهوتيون إلى تأديتها ضمن الجماعة الكنسية، خدمة الإيمان الذي يسعى إلى الفهم، الإيمان "صديق الفكر" الذي يصبح حياة جديدة وفقاً للمخطط الإلهي."

"هكذا – تابع البابا - يرسم درب إيمان ملتزمة لا تكفي فيها "القراءة بلا حماسة، التأمل بلا تفانٍ، البحث بلا إعجاب، الحذر بلا فرح، الخبرة بلا التقوى، المعرفة بلا المحبة، الذكاء بلا التواضع، الدراسة بلا النعمة الإلهية، الحديث بلا الحكمة المستوحاة من الله" (Itinerarium Mentis in Deum، مقدمة 4). تتضمن رحلة التطهير هذه نضال الإنسان من أجل التوصل من خلال المسيح إلى محبة الثالوث المبدلة. وبما أن المسيح، الإله والإنسان منذ الأزل وإلى الأبد، يحدث في المؤمنين خليقة جديدة بنعمته، يتحول اكتشاف الوجود الإلهي إلى تأمل به في الروح التي "يسكن فيها بهبات المحبة اللامحدودة" (المصدر عينه، الفصل الرابع، 4). وبالتالي فإن الإيمان هو كمال قدراتنا المعرفية ومشاركة في معرفة الله عن نفسه وعن العالم. نختبر الرجاء كتحضير للقائنا مع الرب الذي سوف يشكل إنجاز هذه الصداقة التي توحدنا به. وتعرفنا المحبة إلى الحياة الإلهية فتجعل جميع الناس إخوة لنا، وفقاً لمشيئة أبينا السماوي الواحد".

وقال البابا إن بونافينتورا كان "إضافة إلى بحثه عن الله، ينشد الخليقة، على مثال القديس فرنسيس، "ويمجد الله في كل خلائقه" التي "تشع فيها قدرة الخالق الكلية وحكمته وصلاحه" (المرجع عينه، الأول، 10). يقدم القديس بونفنتورا رؤية إيجابية عن العالم، هبة محبة الله للبشر: يرى فيه انعكاس الصلاح الإلهي والجمال الذي يؤكد لنا على مثال القديسين أغسطينوس وفرنسيس أنه الله عينه. لقد منحنا الله إياه كله. منه هو المنبع الأساسي، تتدفق الحقيقة إلى جانب الصلاح والجمال. نحو الله، يصعد المرء كما على درجات السلالم حتى بلوغ الخير السامي، وفيه نجد الفرح والسلام. كم من المفيد أن نعيد اليوم اكتشاف جمال الخليقة وقيمتها على ضوء صلاح الله وجماله! في المسيح، حسبما لاحظ القديس بونفنتورا، يمكن أن يكون الكون مجدداً الصوت الذي يتحدث عن الله ويرشدنا إلى اكتشاف حضوره، ويحثنا على تكريمه وتمجيده في كل شيء (المرجع عينه، الأول، 15). هنا ندرك روح القديس فرنسيس الذي شاطره قديسنا المحبة لكل الخلائق".. كان القديس بونفنتورا رسول رجاء. نرى صورة رجاء رائعة في إحدى عظاته في زمن المجيء عندما يشبه حركة الرجاء بتحليق طير يبسط جناحيه على أبعد مدى ممكن ويبذل قصارى جهده لتحريكهما. إنه يتحرك ليرتفع ويحلق في الفضاء. والرجاء هو التحليق، حسبما يقول القديس بونفنتورا. لكن الرجاء يتطلب حركة من كل أعضائنا لتميل إلى مكانة وجودنا الأصلية، إلى وعود الله.
"عندما نتحلى بهذا الرجاء – قال بندكتس السادس عشر - لا نعرض أنفسنا لخطر فقدان الشجاعة على المساهمة في خلاص البشرية، كما فعل القديسون، و"نتمكن من فتح قلوبنا والعالم ليدخل الله إلينا، الله الحقيقة والمحبة والصلاح" (وكالة فيدس 6-9-09)


مشاركة: